فصل: فصل في قول كلّي في علامات حمّيات العفونة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.فصل في قول كلّي في علامات حمّيات العفونة:

قد يدل على حميات العفونة توافي الأسباب السابقة لها وخصوصاً إذا لم يكن لها سبب بادٍ والنبض أو النفس الذي يسرع انقباضه لأن الحاجة إلى التنقية شديدة جداً وتكون الحرارة لذاعة غير عذبة كحرارة حمى يوم.
وأكثر حمّيات العفونة تتقدّمها المليلة والمليلة حالة تخالطها حرارة لا تبلغ أن تكون حمى ويصحبها إعياء وتوصيم وكسل وتمطّ وتثاؤب واضطراب نوم وسهر وضيق نفس وتمدّد عروق وشراسيف وصداع وضربان رأس فإذا طالت أوقعت في الحميات العفنية وأحدثت ضعفاً وصفرة لون وربما صحب المليلة المتقدمة على الحمّيات كثرة فضل ومخاط وغثيان وبول كثير وبراز كثير عفن وثقل رأس وتهيج ويعرض تواتر في النبض لا عن سبب من خارج من تعب أو غضب أو غيره وإذا عرض الانضغاط فيه فقد جاءت النوبة والانضغاط غور من النبض وصغر مختلف يقع فيه نبضات كبار قوية ولا تكون سرعته قوية.
وأما الاختلاف في الابتداء والتزيد فهو من خواص دلائل حمّى العفونة وإن كان لا يظهر في الغبّ ظهوراً كثيراً لخفة مادته ومن علامات أن الحمى عفنية خلو الدور الأول من العرق والنداوة فإن اليومية بخلاف ذلك وإن كان الابتداء في الغبّ لخفة المذكورة يشبه يومية لم ينتقل إلى العفونة وأن يكون تزيدها مختلطاً غير متناسب متشابه وطول التزيد أيضاً يدل على أنها عفنية وازدياد النبض عظماً على الاستمرار يدل على التزيّد.
ثم إنها تكون إما مقلعة تبتدئ بنافض أو قشعريرة وتترك في أكثر الأمر بعرق أو نداوة أو تدور بنوائب أو تكون لازمة مع تفتير أو غير تفتير لا يشبه اليومية في النبض والبول وتمام النقاء وسكون الأعراض وأكثر العفنية معها أعراض كثيرة من عطش وصداع وسواد لسان وخصوصاً عند المنتهى ويكثر القلق من كرب واضطراب شديد يوجبه مقابلة المادة والقوة فتارة تستعلي المادة وتارة تستعلي القوة والنبض لذلك يكون تارة آخذاً إلى العظم والقوة وتارة إلى الصغر والضعف.
وأما الصلابة فقد تكون ولا يجب دائماً أن تكون إلا أن يكون مع الحمى ورم صلب في أي عضو كان أو ورم في عضو صلب وإن لم يكن الورم صلباً أو يكون قد اتفق شرب ماء بارد أو شيء آخر مما يصلب البدن مما قيل في كتاب النبض.
وأما الاختلاف في الابتداء والتزيد فهو من الخواص بالحمى العفنة ومن دلائلها القوة وإن كان لا يظهر في الغب كثيراً لخفة مادته وما لم يصر النبض قوياً ولم يسرع السرعة المذكورة فالحمّى بعد يومية لم تنتقل إلى العفونة ويكون البول في الابتداء غير نضيج أو قليل النضج وربما كان حاداً جداً.
واعلم أن الحميات الحادة المزمنة المهلكة قلما يتخلص عنها إلا بزمانة عضو وإذا بقيت الحمى بعد سكون الورم في ذات الجنب ونحوه فاعلم أن بقية المادة باقية وأن المادة قد مالت إلى حيث يظهر وجع.

.فصل في علامات اللازمة:

إن الدائمة تكون اختلاف النبض الذي بحسب الحمّى فيها ظاهراً جداً ويكون في أكثره غير ذي نظم ولا وزن وتدوم الحمّى ولا تقلع بعد أربع وعشرين ساعة ولا يصحبها ما ذكرنا من أحوال المقلعة من تقدم النافض وغيره ومما يدل عليها لزومها وشدة اختلاف حالها عند التزيّد فتنقص مرة وتشتد أخرى.

.فصل في أمور تفترق ببعضها:

حمّيات العفونة وتشترك في بعض ما كان من الحمّى لعفونة الصفراء فتكون حركتها غباً سواء كانت الحركة ابتداء نوبة أو ابتداء اشتداد إلا ضرباً منها يعرف بالمحرقة تخفي حركاتها جداً وهي: كاللازمة المطبقة والغبّ الصرف حادة للطافة المادة وحرارتها عظيمة لذّاعة لقوة المرة لكنها سليمة بسبب أن الصفراء خفيفة على الطبيعة ولأنها تريح والغب غير الخالصة أطول مدة من الخالصة والخالصة قلما تجاوز تسع نوائب إلا عن خطأ.
والدائمة ربما انقضت في أسبوع وما كانت من عفونة الدم فإنها دائمة لازمة وحرارتها كثيرة عامة مع لين ليس في لذع الصفراوية وربما انتهت في أربعة أيام وأما البلغمية المواظبة كل يوم فإنها لينة الحرارة بالقياس إلى الصفراوية طويلة للزوجة المادة وبردها وكثرتها عظيمة الخطر لأنها قليلة مدة الإقلاع أو التفتير ولأنها تصحب فساداً وضعفاً في فم المعدة لا بد منه وذلك مما يجلب أعراضاً رديئة من الغشي والخفقان وسقوط الشهوة.
واللازمة منها أشبه شيء بالدقّ لولا لين النبض على أنه قد يصلب أيضاً وكلما كانت أقلّ خلوصاً كانت أقصر نوبة إلا أن تميل بقلة خلاصها إلى السوداوية وأما الربع فإنها غير حادة لبرد المادة طويلة لذلك وربما امتدت الخالصة منها سنة وغير الخالصة أقصر مدة لكنها لا خطر فيها لأنها تريح مدة طويلة ولأنها ليست من الحدة بحيث تتبعها أعراض شديدة والربع والغبّ الدائمة والمفترة تنقضي بقيء أو استطلاق أو عرق أو درور بول.
وأما المحرقة فتنقضي بمثل ذلك وبالرعاف واعلم أن الابتداء يطول في الغبّ والانتهاء في المطبقة والانحطاط في المحرقة والانتهاء والانحطاط في المواظبة على أنه قلما توجد ربع دائمة ومواظبة تامة الإقلاع والحميات إذا لم تعالج على ما ينبغي وخصوصاً الورمية آلت إلى الذبول وخصوصاً في الحميات الحادة التي يجب أن يغذى فيها صاحبها فلا يغذّى لغرض أن تقبل الطبيعة على المادة أو يجب أن يسقى الماء البارد فلا يسقى لغرض أن لا يفحج ولا يتدارك بتطفية أخرى فإنه إذا كان الغرض الذي سنذكره في التغذية وسقي الماء البارد أقوى من الغرضين المذكورين قدم عليهما وأغفل مراعاة ذينك الغرضين.

.فصل في دلائل أعراض الحميات:

اعلم أن مأخذ دلائل الحميات هو من التدبير المتقدم وأنه كيف كان ومن الأحوال والأعراض الحاضرة مما نذكرها ومن البلدان والفصول ومن السن والمزاج ومن النبض والبول والقيء والبراز والرعاف ومن حال الحمى في النافض والعرق وكيفية الحرارة ومن النوائب ومن حال الشهوة والعطش ومن حال التنفس ومن المقارنات مثل: الصداع والسهر والهذيان والقلق وغير ذلك فإن للحمّيات أعراضاً منها تستدل على أحوالها فمنها: أعراض تدل على عظمها وصغرها مثل: كيفية الحرارة وكميتها فمنها ما يكون لذّاعاً شديداً من أول ما يأخذ إلى آخره ومنها ما يلذع أولاً ثم يخور لتحلل المادة وتلين ومنها ما لا يلذع ومنها ما حرارته رطبة ومنها ما حرارته يابسة.
وأعراض تدل على جنسها كالأعراض الخاصية بالغب مثل: ابتداء النوبة بنخس وقشعريرة ولذع الحرارة فيه.
وأعراض تدلّ على خبثها مثل: القلق والهذيان والسهر وأعراض تدلّ على النضج وغير النضج مثل ما نذكر من أحوال البول وأعراض تدلّ على البحران سنذكرها وأعراض تدلّ على السلامة أو ضدها وسنذكر جميع ذلك.
وللسخنة أحكام كثيرة مثل: ما يتغير لونه إلى الرصاصية من بياض وخضرة فيدل على برودة الأخلاط وقفة الحار الغريزي أو إلى التهيج والانتفاخ كما يعرض لمن سبب حمّياته تخمة ومثل سرعة ضمور الوجه وانخراطه ودقة الأنف فيدل إما على شدة الحرارة وإما على رقة الأخلاط وسرعة تحللها لسعة المسام وللحركات في نفسها وخروجها عن العادة أو سقوطها دلائل ولا شيئاً آخر مما سنذكره.
ومن أعراض الحمّيات ما وقته المنتهى مثل: الهذيان واختلاط الذهن لتلهّب الرأس ومنها ما وقته الابتداء مثل القشعريرة والبرد ومثل السبات الذي يلحق أكثر أوائل الحميات لضعف الدماغ وميل الحرارة إلى الباطن ولأجل خبث المادة وكثرة بخارات تتصعّد عن الاضطراب المبتدي في البدن إلى أن يحلّلها الاشتعال ويعين ذلك برد الدماغ في نفسه وبرد الخلط الذي يريد أن يعفن ويسخن والأشياء التي يتعرّف منها حال الحمّى وأنها من أي صنف هي حال الحمى في حدّتها أو لينها وحال الحمّى في وقوعها عن الأسباب البادية أو السابقة على الشرط المذكور وحال الحمى في لزومها وإقلاعها وفتراتها وحال الحمى في أخذها بنافض وبرد وقشعريرة أو خلافها.
ومتى كان ما كان منه وحال الحمّى في تركها بعرق كثير وقليل أو خلافه وحال سالف التدبير والسن والسخنة والزمان والصناعة وحال النبض والبول.

.فصل في كلام في النافض والبرد والقشعريرة والتكسر القشعريرة:

هي حالة يجد البدن فيها اختلافاً في برد ونخس في الجلد والعضل ويتقدّمها التكسّر.
وكأن التكسّر ضعيف منها وأما البرد فهو أن يحسّ في أعضائه ومتون عضله برداً صرفاً وأما النافض فهو أن لا يملك أعضاءه عن اهتزاز وارتعاد يقع فيها وحركات غير إرادية وربما كان برد قوي ولم يكن نافض قوي مثل حميات البلغم والربع.
ومن أسباب اشتداد النافض شدة القوة الدافعة التي في العضل ولذلك كلما كان السبب المنفض ألزج كان النافض أشد والدم يغور مع النافض إلى داخل.
واعلم أن الخلط البارد يكون ساكناً قد ألفه العضو الذي هو فيه واستقر انفعاله عنه فلا يحس برده.
فإذا تحرك وتبدّد تبدداً كثيراً أو قليلاً بسبب من الأسباب من حرارة مفرقة أو غير ذلك انفعل عنه العضو الذي كان غير ملاق له وأحس ببرده بسبب المزاج المختلف.
وقد علمت في الأصول الكلية من علم الطب.
وكثيراً ما يعرض عن البلغم الزجاجي المنتشر في البدن نافض لا يؤدي إلى حمى وربما كان له أدوار ولا تكون قوته قوة النافض المؤدي إلى الحمّى والمادة التي تفعل الإعياء بقلتها تفعل النافض بكثرتها قبل أن تعفن فإن لم تعفن لم تؤد إلى الحمى وقد يعرض البرد والنافض لغور الحرارة بسبب الغذاء وما يشبهه.
والنافض والبرد يتقدم الحميات لأن الخلط الخام ينصب إلى العضل أولاً وهو مؤذ ببرده بالقياس إلى العضل ثم إذا أخذ يعفن أخذ في السخن وقد يتقدم النافض الحميات للذع الخلط وقوة القوة الدافعة التي في العضل كما ينتفض الإنسان من صب الماء الحار جداً على جلده وخصوصاً إذا كان مالحاً وربما صار أذى ما يلذع سبباً لهرب الحار الغريزي إلى باطن ويستولي البرد فيكون مع لذع الحار برد كأن البرد يشتمل.
واللذع الحار عند الغشاء والباطن.
وقد يقع النافض لهرب الحرارة إلى الباطن كما يكون في الأورام الباطنة وربما دل النافض والقشعريرة على البرء في الحمّيات اللازمة لأنه يدل على أن المادة انتفضت من العروق وخرجت لكنه إذا لم يكن مع نضج وفي وقت بحراني ولم يتبعه خف دل على أن انتفاض ذلك المقدار ليس لأن القوة غلبت بل لأن المادة كثيرة تفيض لكثرتها.
ومن النافض ما يدلّ على الموت وهو الذي يتبع ضعف القوة وسقوط الحار الغريزي والنفس.
وأما القشعريرة فتكون من أسباب أقل من أسباب النافض وهيجان الدهش والدوار ينذر بدور والمشايخ تكون حمياتهم مدفونة وربما كانالسبب في طول الحمى غلظاً في الأحشاء فليستلق المحموم ولتمد رجلاه ولتجس أحشاؤه وإذا اسود لسان المحموم مع خفة فحماه مدفونة وقد يصحب الحمّى فالج فيعالج الحمى أولاً ومما يصلح لهم السكنجبين ممروساً فيه الخلنجبين وماء الحمص بالزيت إن احتملت الحمى وحلق الرأس مما يكثف جلده فتنعطف.

.فصل في الإشارة إلى معالجات كلية لحمى العفونة:

اعلم أن الغرض في مداواة هذه الحميات تارة يتجه نحو الحمى فتحتاج أن تبرد وترطّب وتارةً نحو المادة حتى تحتاج أن تنضج أو تحتاج أن تستفرغ.
والإنضاج في الغليظ تعديله بالترقيق وفي الرقيق تعديله بالغليظ وربما تناقض ما تستدعيه الحمّى من البريد ويستدعيه الخلط من الإنضاج والاستفراخ والتحليل فربما كان المنضج والمستفرغ حاراً بل هو في أكثر الأمر كذلك وحينئذ يجب أن يراعى الأهم من الأمرين وربما تناقض مقتضى الحمى من التبريد بمثل ماء البطيخ الهندي وسائر البقول.
ومقتضى المادة من التقليل فيمنع ذلك سقيها إلا حيث لا مادة وبالجملة الحزم أن يؤخر ماء الفواكه إلى أسبوع ويقتصر على ماء الشعير وجميع الفواكه تضر المحموم لغليانها وفسادها في المعدة.
وكثيراً ما يوجد الشيء الذي ينضج ويلطف ويستفرغ مبرداً أيضاً مثل: السكنجبين واعلم أنه ربما كانت الحمى من الشدة والحمة بحيث لا يرخص في تدبير السبب بل يقتضي التبريد البليغ وخصوصاً إذا لم تجد القوة قوية مقاومة صابرة فإن وجدتها مقاومة صابرة قطعت السبب ودبرت للخلط وقطعت الغذاء ولم تبرد تبريداً يمنع التحلل وإن وجدت القوة قاصرة اشتغلت بتعديل المزاج المضاد لها فبردته ونعشت القوة بالغذاء.
فإذا قويت القوة بنعشها وقهر مضادها عدت إلى العلة وإذا بردت في هذه الحميات فلا تبرد بما فيه قبض وتكثيف مثل الأقراص المبردة إلا بعد النضج والاستفراغ.
واعلم أن علاج حمى العفونة بخلاف علاج الدقً فإن علاج الدق مقصور على مضادة المرض وعلاج حمى العفونة ليس مقصوراً على مضادة المرض وحده بل عليه وعلى قطع سببه وإن كان بمشاكل المرض والتغذية صديقة القوة من جهة نفسها وعدوة للقوة من جهة أنها صديقة عدوّها وهو المادة في معينة لكلاهما فلذلك يحتاج في تدبيرها إلى قانون ولنفرد له باباً واعلم أنه لا يمكنك أن تعالج الحمى إلا بعد أن تعرفها فإن جهلت فلطّف التدبير واجتهد أن لا تلقاك النوبة إلا وأنت خالي البطن ولا تحرك في يوم النوبة شيئاً ما أمكنك ولا تعالج ويجب أن تراعي في جميع ذلك حال القوة.
فإن كانت القوة قوية وكان الغالب الدم أو كان مع الخلط الغالب دم فالفصد أوجب شيء وخصوصاً إذا كان البول أحمر غليظاً ليس أصفر نارياً يخاف عند الفصد غلبة المرَار وحدته ثم أتبع فصده إسهالاً لطيفاً خصوصاً إن كان هناك يبس بمثل ماء الشعير والشيرخثست القليل وماء الشعير والسكنجبين فإن لم لكن الطبيعة زدت في مثل الشيرخشت مثل شراب البنفسج وتكون الغاية التليين لا الإسهال والإطلاق العنيف.
والأحب إلى استعمال الحقن على المبلغ الذي يحتاج إليه في القوة ومن الحقن المشتركة النفع الخفيفة حقنة تتخذ من دهن البنفسج وعصارة ورق السلق وصفرة البيض والسكر الأحمر والبورق فهذا التليين ربما احتجت إليه في الانتهاء أضعف مما تحتاج إليه في الابتداء وذلك إذا كانت الطبيعة محتبسة ثم تتبعه بإدرار بمثل: السكنجبين المطبوخ بأصل الكرفس ونحوه ثم تعرقه وتفتح مسامه بما ليس له حر قوي مثل: التمريخ بدهن البابونج والدلك بالشراب الأبيض وبالماء العذب الفاتر.
فإن كانت الحمى محتدة جداً لم يجز شيء من التمريخ والتنطيل فإن وجدت الخلط في الأول يميل إلى المعدة فقيء بما ليس فيه مخالفة للعادة بل بمثل السكنجبين بالماء الحار إن كان الخلط تحركه الطبيعة إلى القيء ولا يخالفها إن كان هناك ميل إلى الأمعاء وأحسست بقراقر وانحدار ثقل أو ما يشبهه وامنعه النوم في ابتداء الحميات خصوصاً إذا كانت قشعريرة أو برد أو نافض فيطول عليه البرد.
والنافض فإنه يعين المواد إن كانت متجهة إلى بعض الأحشاء ويمنع نضج الأخلاط وأما عند الانحطاط فهو نافع جداً وربما لم يضرّ عند المنتهى ولا يمنعه الماء البارد إلا أن يكون الخلط فيه فجاجة وغِلظ يمنع النضج.
واعلم أن الفصد إذا نفع ثم استعملت طريقة رديئة ولم تكن تنقى نكس وأما الخلط الصفراوي فنضجه أن يصير خاثراً عن رِقته والماء البارد يفعل ذلك إلا أن تكون المعدة أو الكبد ضعيفة أو باردة أو يكون في الأحشاء ورم أو يكون في أعضائه وجع أو يكون مزاجه قليل الدم أو حرارته الغريزية ضعيفة فيضعف بعد شرب الماء البارد أو يكون غير معتاد لشرب البارد مثل: أهل بلاد الحز وهؤلاء يتشنجون بسرعة ويصيبهم فواق والمهزول من هذه الجملة.
وأما حيث المادة حارة أو غليظة قد نضجت والبدن عبلاً والحرارة الغويزية موفورة وتكون القوة قوية والأحشاء سالمة ليست باردة المزاج الأصلي ولم يكن غير معتاد للماء البارد بل هو معتاد للبارد جداً فالماء البارد أفضل شيء فإنه كثيراً ما أعان على نفض المادة بإطلاق الطبيعة أو بالقيء أو بالبول أو بالتعريق أو بجميع ذلك فيكون في الوقت يعافى.
وربما سقى الطبيب العليل من الماء البارد قدراً كثيراً حتى يخضر لونه ويرتعد ولو إلى من ونصف فربما استحالت الحمًى إلى البلغمية وربما قوي الطبع ودفع المادة بعرق وبول وإسهال وكانت عافيته وإذا كان بعض المواضع وارماً ثم خفت مضرة الحرارة والعطش وظننت أنه يؤدي إلى الذبول لم يمنع الماء البارد.
فإن ازدياد الورم أو فجاجته ربما كان خيراً من الذبول والسكنجبين ربما سكن العطش وقطع وأطلق وليست مضرته بالورم كثيرة كمضرة الماء وليس له جمع المادة وتكثيفها.
وكذلك الجلاّب الكثير المزاج وإذا لم يجز أن يشرب الماء البارد فأقدم عليه خيف أن يحدث تقبّضاً من المسام فيصير سبباً لحمى أخرى لحدوث سدّة أخرى وربما كانت أشدّ من الأولى.
وإذا صادف عضواً ضعيفاً أفسد فعله فكثيراً ما عَسُر الازدراد وعسر النفس وأحدث رعشة وتشنّجاً وضعف مثانة أو كلية أو قولون وأكثر من يجب أن يمنعه منهم الماء البارد من يتضرر به في صحته بل إذا رأيت السخنة قوية والعضل غليظة والمزاج حاراً يابساً واستفرغت فرخص أحياناً في الاستنقاع في الماء البارد.
وعند الانحطاط وظهور علامات النضج والاستفراغ للأخلاط فلا بأس أن يستعمل الحمام وشرب الشراب الرقيق الممزوج والتمريخ بالأدهان المحلّلة فإذا استعملت القوانين المذكورة في أول عروض الحمّى فيجب بعد ذلك أن تشتغل بالإنضاج والاستفراغ الذي ليس على سبيل التقليل والتجفيف وقد ذكرناه بل على سبيل قطع السبب ولا تستفرغ المادة غير نضيجة في حار أو بارد إلا لضرورة فربما كثر الاستفراغ من غير الخلط غير المتهيىء للاستفراغ بالنضج.
وربما خلط الخبيث بالطيب لتحريك الخبيث من غير إنضاجه ولا تصغ إلى الرجل الذي زعم أن الغرض في الإنضاج الترقيق والخلط الحاد رقيق لا حاجة إلى ترقيقه فليس الأمر كما يقوله بل الغرض في الإنضاج تعديل قوام المادة حتى تصير متهيئة للدفع السهل والرقيق المتسرب والغليظ الناشب واللزج اللحج كل ذلك غير مستعد للدفع السهل بل يحتاج أن يثخن الرقيق قليلاً ويرقّق الثخين قليلاً ويقطع اللزج.
ولو أن هذا الرجل لم يسمع في كلام المتقدمين في النضج شيئاً من قبيل ما قلناه وتأمل حال نضج الأخلاط المنفوثة أن الرقيت! منها يحتاج أن يخثر والخاثر يحتاج أن يرقّق لكان يجب أن يهتدي منه ولِمَ ليس يتأمل في نفسه فيقول ما بال القوارير في الحمّيات الحادة لا تكون في ابتدائها ذات رسوب ثم تصير ذات رسوب وهل الراسب المحمود شيء غير الخلط الفاعل للمرض وقد نضج فلم ليس يندفع في أوائل الأمر أن كانت الرقّة هي الغاية المقصودة في النضج فمن الواجب أن يكون في أوائل حميات الدم والصفراء رسوب محمود.
فإن كانت الطبيعة لا يمكنها دفع ذلك الفضل إلا بعد وقت يصير فيه مستعداً للدفع في البول فكذلك الصناعة يجب أن يعلم أن استفراغها للخلط قبل مثل ذلك الوقت الذي يظهر فيه النضج في القارورة ممتنع أو متعسر مستصعب وربما حرك ولم يفعل بلاغاً وربما خلط الخبيث بالطيب وكان الأولى بهذا الإنسان أن يحسن الظن بمثل جالينوس وأبقراط في رسمه من هذا أو يتأمل فضل تأمل ثم يرجع إلى المناقضة فإن مناقض الأولين وهو على الحق معذور ولكن الأولى وأظن أن هذا الرجل اتفقت له تجارب أنجحت في هذا الباب فركن إليها وأمثال هذه التجارب التي ليست على القوانين قد يتفق لها أن لا تنجح ولا واحد ويتفق لها أن لا تتحقق ولا واحد فهذا هو الواجب فأما إن كانت المادة كثيرة متحركة منتقلة من عضو إلى عضو وظننت أنه لا مهلة إلى نضجها أو ربفا حدثت منها أورام سرسامية وغير ذلك ولو تركت أوقعت في خطر قبل الزمان الذي يتوقع فيه نضجها.
وذلك أطول من الزمان الذي يتوقع فيه نضج المعتدل لا محالة فلا بد من استفراغها فإن الخطر في ذلك أقل من الخطر فيها.
ومع ذلك فإن الطبيعة تكون متحركة إلى دفعها لكثرة أذاها فإذا أعينت وافقها الإعانة فلا بد منه واعلم أن الفصد ليس من قبيل ما ينتظر فيه النضج انتظاره في المسهلات وإنما ينتظر النضج في الأخلاط الأخرى وإذا تأخر الفصد عن ابتداء العلة فلا تفصد في انتهائها إذ لا معنى له وربما أهلك بموآفاته ضعيف القوة وكذلك إن خفت غلبة من الخلط وأوجب الاحتياط الاستفراغ وإن لم يكن نضج فلا تحرك إلا في الابتداء.
وأما عند الانتهاء فلا تحرك شيئاً حتى يغلب الطبيعة وينضج فإن لم تتحرك هي حركت أنت وفق تحريكها وإن كانت هي تتحرك أو تحركت فدعها وفعلها وهذا هو الذي يسميه أبقراط هائجاً حين قال ينبغي أن يستعمل الدواء المسهل بعد أن ينضج المرض فأما في أول المرض فلا ومثل هذا الاستفراغ الضروري الذي ليس في وقته مثل: التغذية الضرورية التي ليس في وقتها ونسبة هذا الاستفراغ إلى الكف من عادية المادة نسبة تلك التغذية إلى منع القوة عن سقوطها وإذا استعملت استفراغاً فراعِ وقت الإقلاع أو وقت الفترة أو أبرد وقت يكون ولا تستفرغ بالإسهال يوم الدور ولا تفصد ولا تضاد باستفراغ الصناعة جهة ميل استفراغ الطبيعة ولا تثيرنّ الأخلاط بما تفعله في الحال حال حركة دور وبالجملة تتوقى التدبير في وقت الدور حتى لا يسقى في ماء الشعير سكر ولا جُلاَب لئلا تثير الدور بتضييق المجاري فإنه خطر بل أعن إلى أن يفرط فإن الطبيب معين الطبيعة لا منازع لها.
واعلم أن كثيراً ما يحتاج إلى دواء قوي ضعيف أما قوته فمن حيث يسهّل الخلط الغليظ اللزج وأما ضعفه فمن حيث يسهل مجلساً أو مجلسين ولا يستفرغ الكثير معاً حتى لا تسقط القوة.
والرأي في الفصد أن يدافع به ما أمكن فإن لم يكن فتكثير العدد خير من تكثير المقدار ويجب أْن لا يستفرغ دم كثير دفعة فيستفرغ كثير مما لا يحتاج إلى استفراغه ولا يكون في الدم عدة لاستفراغات ربما احتيج إليها وتضعف القوة عن مقارعة بحرانات منتظرة واعلم أنه إذا اجتمع الصرع والحمى فعلاج الحمى أولى.
واعلم أن الصداع ربما رد الحمى المنحطة إلى التزيد فيجب أن يسكن والصبي الراضع إذا حمّ فيجب أن يصلح لبن أمه وإذا كانت القارورة اليرقانية في الحمّى تدل على ورم فيكون العلاج سقي ماء الشعير والسكنجبين.
فإذا هدأت الحمّى فصد للورم وإذا كان مع الحمى قولنج فما لم تنفتح الطريق لا يسقى ماء الشعير بل ماء الديك إن وجب ولين الحقنة ويكثر دهنها ثم يسقى ماء الشعير إن وجب وأما المسهّلات فمنها أشربة تتخذ من التمر الهندي والترنجبين والشيرخشت وربما جعل فيها ماء اللبلاب وربما جعل فيها الخيارشنبر وربما طرح عليها السقمونيا وربما سقي السقمونيا وحده في الجلاب وربما احتيج إلى استعمال مثل الصبر إذا كانت المادة غليظة.
والأجود أن يغسل ويربى في ماء الهندبا وماء التعصيد ثم يحبّب.
وأما الهليليج الأصفر فقد يستعمله قوم وما وجد عنه مذهب فعل فإنه يقبض المسام بعد الإسهال ويخشن الأحشاء فإن كان ولا بد فبعد النضج التام وماء الرمانين عظيم النفع وخاصة المعتصرة بشحمهما في أوقات ومن المسهّلات ما يتخذ من البنفسج والسقمونيا ويكون من البنفسج قدر مثقال ومن السقمونيا إلى قيراط وربما جعل فيه قليل نعناع وقد يتخذ من المبردات الملطفة دواء يجعل فيه سقمونيا مثل حبّ بهذه الصفة.
ونسخته: يؤخذ من الكزبرة ومن الطباشير ومن الورد من كل واحد نصف درهم ومن الكافور طسوج ومن السقمونيا إلى نصف دانق ودانق يسقى منه أو يؤخذ من الشيرخشت خمسة دراهم ومن الترنجبين وزن خمسة دراهم ومن عصارة التفاح الشامي وعصارة السفرجل بالسواء وعصارة الكزبرة الرطبة سدس جزء تجمع العصارات ويغمر بها الشيرخشت والترنجبين ويقوّم بهما حتى يكاد ينعقد ثم يؤخذ من الكافور وزني دانق ونصف ومن السقمونيا وزن درهم ويرفع عن النار ويذرّ عليه الكافور والسقمونيا ويحفظ لئلا يتحلل بالبخار ثم يترك حتى يتعقد من تلقاء نفسه بالرفق والشربة منه من درهمين إلى درهمين ونصف.
وقد يمكن أن يتخذ من الشيرخشت والترنجبين والسكر الطبرزد ناطف ويجعل فيه السقمونيا والكافور على قدر أن يقع في الشربة منه من الكافور إلى طسوج ومن السقمونيا إلى دانق ويكون حبيباً إلى النفس غير كريه والمحموم في الصيف حمّى باردة لا يدخل في الخيشْ خاصة إذا عرق لئلا تنعكس المادة عن تحلّلها والأقراص لا توافق أوائل هذه الحمى إلا بعد النضج والاستفراغ وأوفق ما تكون الأقراص لمن حمّاه متشبثة بمعدته كأنها دقية وتارك عادته في تدبيره قد يحس أحياناً بحمى وليس ذلك بالضار لأن السبب ترك العادة في التدبير فاعلم جميع ما فصل في تغذية هؤلاء المحمومين اعلم أن أوفق الأغذية للمحمومين هي الأغذية الرطبة.
وخصوصاً لمن مزاجه رطب من الصبيان والمتدعين فيوافق من حيث هو شبيه المزاج ومن حيث هو ضد المرض وإذا أخذت الحمّى والطبيعة يابسة فلا تغذ ألبتة ما لم يخرج الثقل بتمامه، ويجب أن تلقماهم النوائب الدائرة أو النوائب المشتدة وأجوافهم خالية لا غذاء فيها البتة فإنهم إن كانوا مغتذين في ذلك الوقت اشتغلت الطبيعة بالهضم عن النضج والدفع واستحكم المرض وطال ولذلك يجب أن تؤخر التغذية إلى الانحطاط فما بعده وإن اتفق أنه وافق وقت الانحطاط وقت العادة في الغذاء فهو أجود ما يكون.
واعلم أن من التغذية والتدبير ما هو لطيف جداً ومنه ما هو غليظ جداً ومنه ما بين ذلك فبعضه يميل إلى اللطافة أكثر وبعضه يميل إلى الكثافة أكثر واللطيف البالغ في اللطافة هو: منع الغذاء والغليظ جداً هو استعمال أغذية الأصحاء واللواتي تلي جانب اللطافة مما هو متوسط أن يقتصر من الغذاء على عصارة الرمان والجلاب الرقيق جداً وبعده ماء الشعير الرقيق وبعده ماء الشعير الغليظ والبقول الباردة الرطبة مثل السرمق والاسفاناخ واليمانية ونحوها وبعدها كشك الشعير كما هو وهو الوسط واللواتي تلي جانب الغلظ فالدجج والأطراف وألطف منها القباج والفراريج وألطف منها الطباهيج والسمك وألطف منها أجنحة الفراريج والطباهيج والنيمبرشت القليل الرقيق والسمك الصغار جداً وألطف منها كشك الشعير كما هو وألطف منه محلول الخبر السميذ في الماء البارد حلاً رقيقاً فأما الغليظ فهو غذاء قوي وكشك الشعير نعم الغذاء للمحمومين فإنه يجمع إلى ثخونته واتصاله ملاسة وزلقاً وحلاء وترطيباً وليناً ومضادة للحمى وتسكيناً للعطش وسرعة نفوذ وانغسال ولا قبض فيه فلذلك لا يرسب ولا يتشبث في المنافذ.
وإن ضاقت وليس فيه لصوق بالمعدة وبالمريء وربما جلا مثل: البلغم وإذا أجيد طبخه لم ينفخ البتة وقد كان القدماء يستعملون حيث يحتاج إلى تلطيف تدبير ألطف من التدبير بالكشك ومائه ماء العسل الكثير الماء فإن غذاءه قليل وتنفيذه للماء وترطيبه به وجلائه وتفتيحه وإدراره كثير وحرارته مكسورة وإنه لا محالةٍ قد يزيد في القوة زيادة ما وإن قلت ويتلوه السكنجبين العسلي فهو أغلظ وأغذى وأقوى تقطيعاً وجلاء وليس فيه من التسخين ومضرّة الأحشاء الحارة ما في العسل.
وأما الآن فإن عسل القصب وهو السكر خصوصاٌ المنقّى أفضل من عسل النحل وإن كان جلاؤه أقل من جلاء العسل وكذلك السكنجبين السكّري ولكن الاقتصار على السكنجبين ربما أورث سحجاٌ وهذا مخوف في الأمراض الحادة ونحن نجعل لسقي ماء الشعير والسكنجبين كلاماً مفرداً وتلطيف التدبير يقتضيه طبع مادة المرض وتمكين الطبيعة من إنضاجها وتحليلها واستفراغها وأولى الأوقات بالتلطيف المنتهى فهنالك يشتد اشتغال الطبيعة بقتال المادة فلا ينبغي أن تشغل عنها بشيء آخر وخصوصاً عند البحران وأما قبل ذلك فإن القتال لا يكون استحكم ومما يقتضي التلطيف أن يكون إلى فصد أو إطلاق بطن وحقنة أو تسكين وجع حاجة فحينئذ يجب أن يفرغ من قضاء تلك الحاجة ثم يغذَى إن وجب الغذاء ولم يكن مانع آخر وتغليظ التدبير تقتضيه القوة وأولى الأوقات بالتغليظ الوقت الذي لا تكون القوة مشتغلة فيه جداً بالمادة وهو أوائل العلة ويجب أن يتدارك ضرر التغليظ بالتفريق فإنه أيضاً أخف على القوة والصيف لتحليله يحوج إلى زيادة تغذية وتفريق فإن القوة لا تفي بهضم الكثير دفعة ولأن التحليل فيه بالتفاريق فيجب أن يكون البدل بالتفاريق.
وفي الشتاء الأمر بالعكس فإنه لقلة تحليله لا يحوج إلى بدل كثير ثم إن أعطي البدل دفعة كانت القوة وافية به ففزعت عنه دفعة والخريف زمان رديء ولهذا ينبغي أن يتلطف فيه بين حفظ القوة وبين قهر المادة والتفريق قليلاً قليلاً أولى فيه وبالجملة التفريق مع ضعف القوة أولى.
واعلم أنه لولا تقاضي القوة لكان الأوجب أن يلطف الغذاء أبلغ تلطيف لكن القوة لا تحتمل ذلك وتخور وإذا خارت لم ينفع علاج فإن المعالج كما علمت هو القوة لا الطبيب أما الطبيب فخادم يوصل الآلات إلى القوة وإذا تصورت هذا فيجب أن ينظر فإن كانت العلة حادة جداً وذلك أن يكون منتهاها قريباً وحدست أن القوة لا تخور في مثل مدة ما بين ابتدائها إلى منتهاها خففت الشغل على القوة وسلطتها على المادة ولم تشغلها بالغذاء الكثيف بل لطفت التدبير ولو بترك الطعام أصلاً وخصوصاً في يوم البحران.
وإن رأيت المرض حاداً ليس جداً بل حاداً مطلقاً فيجب أن يلطف لا في الغاية إلا عند المنتهى وفي يوم البحران خاصة إلا بسبب عظيم وإن رأيت المرض مزمناً أو قريباً منَ المزمن لم تلطف التدبير فإن القوة لا تسلم إلى المنتهى مع تلطيف التدبير لكنه يلزمك مع ذلك في جميع الأصناف أن يكون أول تدبيرك أغلظ وآخر تدبيرك الموافي للمنتهى ألطف وتتدرّج فيما بين ذلك حتى تكون القوة محفوظة إلى قرب المنتهى فهناك ترسل على المادة ولا تشغل بغيرها.
وإذا علمت أن القوة قوية في بما أوجب الحال أن يقتصر على الجلاب ونحوه ولو أسبوعاً وخصوصاً في حمّيات الأورام فإن خفت ضعفاً اقتصرت على ماء الشعير وإذا أشكل عليك الحال في المرض فلم تعرفه فلأن تميل إلى التلطيف أولى من أن تميل إلى الزيادة مع مراعاتك للقوة والاحتمال.
والذي زعم أن التغذية والتقوية في المرض الحاد أولى لأنه لا معين للنضج وفي يدك الاستفراغ متى شئت فعلته الطبيعة أو لم تفعل فقد عرفناك خطأه بل إذا خفت سقوط القوة فالتغذية أولى ومن الأبدان أبدان مرارية تقتضي تدبيراً مخالفاً لما قلنا وخصوصاً إذا كانت معتادة للأكل الكثير فإنهم إذا لم يغذوا ولو في نفس ابتداء الحمى بل في أصعب منه وهو وقت المنتهى لم يخل حالهم من أمرين لأنهم إن كانوا ضعاف القوى غشي عليهم فماتوا قريباً وإن كانوا أقوياء وقعوا في الذبول وظهرت عليهم علامات الذبول من استدقاق الأنف وغور العين ولطوء الصدع وربما غشي عليهم قبل ذلك لما ينصب إلى معدهم من المرار اللاذع.
ومن الناس من هو موفور اللحم لكنه إذا انقطع عنه الغذاء ضعف وهزل فلا يحتمل منع الغذاء وكل من حرارته الغريزية قوية جداً كثيرة أو حرارته الغريزية ضعيفة جداً قليلة فلا يصبر على ترك الغذاء.
ومنهم من يصيبه وجع وألم في معدته وصداع بالمشاركة وهؤلاء من هنا القبيل وهؤلاء ربما اقتنعوا بماء الشعير وربما احتاجوا أن يخلطوا به عصارة الرمان ونحو ذلك ليقوي فم المعدة وربما احتجت أن تقيئه بالرفق قبل الطعام وكثير من هؤلاء إذا ضعفوا وكاد يغشى عليهم فالسبب ليس شدة الضعف بل انصباب المرار إلى فم المعدة.
فإذا سقوا سكنجبيناً ممزوجاً بماء حار كثيراً وشراباً ممزوجاً بماء كثير قذف في القذف أخلاطا صفراوية واستوت قوته فإذا تطعم شيئاً من الربوب القوابض سكن والمشايخ والضعفاء والصبيان من قبيل من لا يصبر على الجوع.
وأما الكهول فهم شديدو الصبر ويليهم الشبان وخصوصاً المتلززو الأعضاء الواسعو العروق في الهواء البارد وكثيراً ما يخطئ الأطباء في أمثال هؤلاء المرضى من وجه آخر وذلك لأنهم يمنعونهم الغذاء في أول الأمر فإذا شارفوا المنتهى وعلموا أن القوة تسقط غذوه في ذلك الوقت ضرورة فيكونون قد أخطأوا من جهتين ولو أنهم غذوه في الابتداء وكان دلك خطأ وغلطاً كان غلطاً دون هذا الغلط ويعرض لأولئك المرضى أن يصيبهم نزلات فجة ومرارية وسهر لإقلاق عدم النضج ويتقلقلون ويتململون ويهدون وتضغط المواد قواهم وتكثر بخاراتهم فيسمعون ما ليس ويتقلبون في الفراش ويتخيل لهم ما ليس وترتعش وتختلج شفاههم السفلانية لوجع فم المعدة وتحزن نفوسهم لثقل المعدة.